fbpx
رحلات غوصغوص سكوبا

حكايتي مع شبرور أم جمر

حكايات غطاس عجوز ... الحلقة الثانية

في أثناء فترة عملي الأولي بالغردقة كمدير مركز غوص مجاويش كنت أسمع عن وجود مركب غارق بجوار شُعب قريب من جزيرة أم جمر ويسمي شبرور أم جمر، والشبرور لمن لا يعلم هو شُعب غاطس تحت الماء والفرق بينه وبين العِرق أن العرق يأخذ شكلا شبه منتظم أما الشبرور فيكون طويلا ممتدا، وعليه فيكون كل من شُعب “إلفينستون” و “وود هاوس” شبرورا بلغة الصيادين.

حطام في شبرور أم جمر

وكان هذا الشبرور من المواقع المتميزة للغوص إلا أنه كان بعيدا نسبيا عن مجاويش التي تقع في جنوب الغردقة، فكان من النادر تسيير الرحلات المنتظمة إليه خصوصا في أحوال الطقس السيء، ولكني كنت عازما علي العثور عليه كما فعل رودي كنايب وغيره من الرواد من قبل، فكنت أنتهز فرصة خروج رحلة من مجاويش إلي الشبرور وأصطحب أحد الغواصين وننزل لنمسح جزءا محددا من الشعب. وقد وفقنا الله أن نجده في أقصي الشمال من الشعب “رأس الشبرور” في رابع غطسة، وتحديد موقعه بعد ذلك كان سهلا لأنك تري آثار تدمير الشعب من بدأ الغوصة ثم ما تلبث أن تري حديد ومواسير متناثرة علي الشعب، ثم أحد رفاصي المركب يجوار الشعب علي 54 متر ثم يظهر خيال المركب من عمق 60-65 متر والمركب جالس “even keel” علي الرمال علي عمق 95 متر وبه رفاصه الثاني مثبت بالعمود وعلي ظهره الكثير من المواسير والأدوات.

وهذا المركب هو مركب إمداد بترول “supply boat” والواضح أنه قد شحط علي حرف الشبرور الشمالي وكسر أحد الرفاصين ثم غرق ليبقي ظهره مواجها للشعب، ومما لاحظت عندما وجدته في المرة الأولي أنه كان هناك الكثير من البراشوتات والبنتونات التالفة بجوار الرفاص الحر مما دل علي أن كثيرا من الناس قد حاولوا استخراجه فلم يفلحوا ومعهم الحق، لأن الرفاص كان من البرونز وقطره حوالي 2 متر مما يساوي ثروة في حد ذاته.

أليكس ورفاقه

غطست علي المركب بعد ذلك مرارا وتكرارا ولاحظت في إحدي المرات أن أحدهم قد نجح في انتشال الرفاص “حلال عليه”، ولكن الغطسة التي لن أنساها كانت في منتصف التسعينات وذلك أثناء فترة عملي الثانية في مجاويش، عندما طلب مني العزيز كريم هلال وكان صاحب ومدير مركز غوص “Divers Lodge” أن أرافقه وزوجته “جيني” في رحلة إلي الشبرور لأرشده إلي مكان المركب، وكانت زوجته تدرس كورس تراي ميكس لمدرب ألماني اسمه “أليكس” فكان المطلوب مني أن أريهم المكان دون أن أصل معهم لنفس العمق.

فأخذت معي إسطوانة غوص 15 لتر مشحونة بالهواء, وبالفعل نزلنا جميعا حتي وصلت معهم لحوالي 70 متر وأشرت إلي المركب ثم تركتهم وأكملت غوصتي وحدي “كالعادة” وأثناء وقفات تقليل الضغط عندي كنت أتسلي بمشاهدة 3 غواصين متعلقين بالبالونات في وقفات هي طبعا أعمق بكثير من وقفاتي.

آلم انخفاض الضغط

وكنت أول من صعد علي اللنش وأسعدني أن الريس كان يعد وجبة سمك طازجة، ثم تبعني كريم وبعده جيني وأليكس واضطر أليكس ان يربط أحد الكمبيوترات “علاء الدين” بخيط ويتركه تحت الماء علي عمق 3 أمتار لأنه كان مضبوطا علي الهواء مما جعله يحسب وقتا إضافيا لتقليل الضغط. وفي أثناء استرخائنا استعدادا للغذاء بدأ أليكس في الصياح أن هناك ألما في كوعه الأيمن، وبالطبع تم تشيخصه فورا “joint bends” وفي ثواني كان اللنش قد انطلق راجعا إلي مجاويش رأسا حسب توجيهاتي حيث توجد غرفة الضغط … طار الغدا!

وبعد 10 دقائق إذا بأليكس ينتفض صارخا “الكومبيوووووتر” وجري بطريقة هستيرية إلي مؤخر اللنش تاركا الأكسجين ليسحب الخيط ولكنه كان خاويا، معلش ياخواجه خلينا في اللي إحنا فيه، المهم بعد حوالي ساعة أعلن أليكس أن الألم قد زال تماما وأننا لسنا بحاجة إلي التوجه للغرفة ولكني أكدت له أن زوال الألم بالأكسجين يؤكد التشخيص وأنه لابد من التوجه لمجاويش ومع ذلك أصر علي العودة إلي حيث بدأنا الرحلة (الإنتركونتيننتال ودايفرز لودج).

الألم من جديد

وفي أثناء إنزال المعدات علي السقالة بدأ أليكس يحس بعودة الألم إلي كوعه ثم كتفه في نفس الذراع وعاد يصرخ، فاستقلينا سيارة جيب لا أذكر من صاحبها وتوجهنا إلي مجاويش في رحلة قصيرة لم تتجاوز ربع الساعة، وكنت مطمئنا لسببين أولهما أن أليكس لا توجد عنده مشكلة في الجدول والثاني أن الأعراض هي من النوع الأول الأقل خطورة “pain only DCS” أو آالالام انخفاض الضغط.

دخل أليكس غرفة الضغط في مجاويش وكما توقعت فقد زال الألم تماما بعد ثاني فترة من تنفس الأكسجين علي 18 متر، وعليه فإن جدوله العلاجي سيدور حول 3 ساعات، وأثناء تواجده في الغرفة صرت أتساءل ما الذي سبب له هذه الأعراض، وتذكرت أنه أثناء قراءتي لتقارير الحوادث أن غرفة من غرف تقليل الضغط السطحية المستخدمة في الغطس التجاري كانت تحدث فيها آلام مفصلية مرارا وتكرارا رغم التزام الجميع بجداول ثابتة.

غرفة الضغط

وأخيرا وجدوا أن السبب هو أن أحد أقنعة الأكسجين في الغرفة كان رباطه تالفا مما يضطر الغواصين إلي الإمساك به طوال الوقت وهذا يسبب بطء في الدورة الدموية في الذراع المثنية فيسبب تجمعا للنيتروجين يؤدي إلي تلك الأعراض. وعندها هجمت علي جهاز الإنتركوم وندهت “أليكس أي ذراع كنت تمسك به البالون؟ ” فأجاب الأيمن, فسألت وكنت تستعمله طوال الوقت؟ فأجاب نعم! وطبعا هذا يفسر تراكم النيتروجين في الذراع وحدوث الأعراض، وبعدها صرنا ننبه الغواصين بضرورة تبديل كلتا اليدين أثناء استعمال ال “SMB”.

لم أذكر أنني قد غطست بعد ذلك كثيرا علي مركب الشبرور وآخر غطسه عليه كانت مع الراحل محمود القرش في الغطسة التي سبقت غطسة وفاته، رحمه الله وغفر له.

Hossam Nassef

دكتور حسام ناصف، استشاري طب الأعماق، يعمل في مدينتي الغردقة ومرسى علم. ويعمل ايضا في مجال التصوير تحت الماء، والسفاري.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. كلما قرأت وتتبعت صياغه الحديث معك د/ حسام كلما اشتقت للغوص معك مره اخرى والتي كانت برأس محمد بشرم الشيخ بارك الله فيك وتمنياتي لك بالصحه والعافيه وفي انتظار مقالات ومغمراتك على أحر من الجمر تحياتي وكل عام وانت والأسره بخير بمناسبه شهر رمضان المبارك اعاده الله عليك وعلى الاهل والاصدقاء باليمن والسرور

زر الذهاب إلى الأعلى